فصل: فتنة قرواش مع جلال الدولة.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.فتنة قرواش مع جلال الدولة.

كان قرواش قد أنفذ عسكره سنة إحدى وثلاثين لحصار خميس بن ثعلب بتكريت واستغاث بجلال الدولة وأمر قرواشا بالكف عنه فلم يفعل وسار لحصاره بنفسه وبعث إلى الأتراك ببغداد يستفسدهم على جلال الدولة فاطلع على ذلك فبعث أبا الحرث أرسلان البساسيري في صفر سنة اثنتين وثلاثين للقبض على نائب قرواش بالسندسية واعترضه العرب فمنعوه ورجع وأقاموا بين صرصر وبغداد يفسدون السابلة وجمع جلال الدولة العساكر وخرج إلى الأنبار وبها قرواش فحاصروها ثم اختلفت عقيل على قرواش فرجع إلى مصالحة جلال الدولة.

.وفاة جلال الدولة وملك أبي كاليجار.

لما قلت الجبايات ببغداد مد جلال الدولة يده إلى الجوالي فأخذها وكانت خاصة بالخليفة ثم توفي جلال الدولة أبو طاهر بن بهاء الدولة في شعبان سنة خمس وثلاثين وأربعمائة لسبع عشرة من ملكه ولما مات خاف حاشيته من الأتراك والعامة فانتقل الوزير كمال الملك بن عبد الرحيم وأصحابه الأكابر إلى حرم دار الخلافة واجتمع القواد للمدافعة عنهم وكاتبوا الملك العزيز أبا منصور بن جلال الدولة في واسط بالطاعة واستقدموه وطلبوا حتى البيعة فراوضهم فيها فكاتبهم أبو كاليجار عنها فعدلوا إليه وجاء العزيز من واسط وانتهى إلى النعمانية فغدر به عسكره ورجعوا إلى واسط وخطبوا لأبي كاليجار وسار العزيز إلى دبيس بن مزيد ثم إلى قرواش بن المقلد ثم فارقه إلى أبي الشوك فغدر به فسار إلى ينال أخي طغرلبك فأقام عنده مدة ثم قصد بغداد مختفيا فظهر على بعض أصحابه فقتله ولحق هو بنصير الدولة بن مروان فتوفي عنده بميافارقين سنة إحدى وأربعين وأما أبو كاليجار فخطب له ببغداد في صفر سنة ست وثلاثين وبعث إلى الخليفة بعشرة آلاف دينار وبأموال أخرى فرقت إلى الجند ولقبه القائم بمحي الدين وخطب له أبو الشوك ودبيس بن مزيد ونصير الدولة بن مروان بأعمالهم وسار إلى بغداد ومعه وزيره أبو الفرج محمد بن جعفر بن محمد بن فسانجس وهم القائم لاستقباله فاستعفى من ذلك وخلع على أرباب الجيوش وهم البساسيري والنساوري والهمام أبو اللقاء وأخرج عميد الدولة أبا سعيد من بغداد فمضى إلى تكريت وعاد أبو منصور بن علاء الدولة بن كالويه صاحب أصبهان إلى طاعته وخطب له على منبره انحرافا عن طغرلبك ثم راجعه بعد الحصار واصطلحا على مال يحمله وبعث أبو كاليجار إلى السلطان طغرلبك في الصلح وزوجه ابنته فأجاب وتم بينهما سنة تسع وثلاثين.

.وفاة أبي كاليجار وملك ابنه الملك الرحيم.

كان أبو كاليجار والمرزبان بن سلطان الدولة قد سارا سنة أربعين إلى نواحي كرمان وكان صاحبها بهرام بن لشكرستان من وجوه الديلم قد منع الحمل فتنكر له أبوه كاليجار وبعث إلى أبي كاليجار يحتمي به وهو بقلعة برد شير فملكها من يده وقتل بهرام بعض الجند الذين ظهر منهم على الميل لأبي كاليجار فسار إليه ومرض في طريقه ومات بمدينة جنايا في سنة أربعين لأربع سنين وثلاثة أشهر من ملكه ولما توفي نهب الأتراك معسكره وانتقل ولده أبو منصور فلاستون إلى مخيم الوزير أبي منصور وأرادوا نهبه فمنعهم الديلم وساروا إلى شيراز فملكها أبو منصور واستوحش الوزير منه فلحق ببعض قلاعه وامتنع بها ووصل خبر وفاة أبي كاليجار إلى بغداد وبها ولده الملك الرحيم أبو نصر خسر وفيروز فبايع له الجند وبعث إلى الخليفة في الخطبة والتلقب بالملك الرحيم فأجابه إلى ما سأل إلا اللقب بالرحيم للمانع الشرعي من ذلك واستقر ملكه بالعراق وخوزستان والبصرة وكان بها أخوه أبو علي واستولى أخوه أبو منصور كما ذكرنا على شيراز فبعث الملك الرحيم أخاه أبا سعد في العساكر فملكها وقبض على أخيه أبي منصور وسار العزيز جلال الدولة من عند قرواش إلى البصرة فدافعه أبو علي بن كاليجار عنها ثم سار الملك الرحيم إلى خوزستان وأطاعه من بها من الجند وكثرت الفتنة ببغداد بين أهل السنة والشيعة.

.مسير الملك الرحيم إلى فارس.

ثم سار الملك الرحيم من الأهواز إلى فارس سنة إحدى وأربعين وخيم بظاهر شيراز ووقعت فتنة بين أتراك شيراز وبغداد فرحل أتراك بغداد إلى العراق وتبعهم الملك الرحيم لانحرافه عن أتراك شيراز وكان أيضا منحرفا عن الديلم بفارس لميلهم إلى أخيه فلاستون بأصطخر وانتهى إلى الأهواز فأقام بها واستخلف بأرجان أخويه أبا سعد وأبا طالب فزحف إليهما أخوهما فلاستون وخرج الملك الرحيم من الأهواز إلى رامهرمز للقائهم فلقيهم وانهزم إلى البصرة ثم إلى واسط وسارت عساكر فارس إلى الأهواز فملكوها وخيموا بظاهرها ثم شغبوا على أبي منصور وجاء بعضهم إلى الملك الرحيم فبعث إلى بغداد واستقر الجند الذين بها وسار إلى الأهواز فملكها وأقام ينتظر عسكر بغداد ثم سار إلى عسكر مكرم فملكها سنة اثنتين وأربعين ثم تقدم سنة ثلاث وأربعين ومعه دبيس بن مزيد والبساسيري وغيرهما وسار هزار شب بن تنكير ومنصور بن الحسين الأسدي فيمن معهما من الديلم والأكراد من أرجان إلى تستر فسبقهم الملك الرحيم إليها وغلبهم عليها ثم زحف في عسكر هزارشب فوافاه أميره أبو منصور بمدينة شيراز فاضطربوا ورجعوا ولحق منهم جماعة بالملك الرحيم فبعث عساكر إلى رامهرمز وبها أصحاب أبي منصور فحاصرها وملكها في ربيع سنة ثلاث وأربعين ثم بعث أخاه أبا سعد في العساكر إلى بلاد فارس لأن أخاه أبا نصر خسرو كان بأصطخر ضجر من تغلب هزارشب بن تنكير صاحب أخيه أبي منصور فكتب إلى أخيه الملك الرحيم بالطاعة فبعث إليه أخاه أبا سعد فأدخله أصطخر وملكه ثم اجتمع أبو منصور فلا ستون وهزارشب ومنصور بن الحسين الأسدي وساروا للقاء الملك الرحيم بالأهواز واستمدوا السلطان طغرلبك وأبوا طاعته فبعث إليهم عسكرا وكان قد ملك أصبهان واستطال وافترق كثير من أصحاب الملك الرحيم عنه مثل البساسيري ودبيس بن مزيد والعرب والأكراد وبقي في الديلم الأهوازية وبعض الأتراك من بغداد ورأى أن يعود من عسكر مكرم إلى الأهواز ليتحصن بها وينتظر عسكر بغداد ثم بعث أخاه أبا سعد إلى فارس كما ذكرنا ليشغل أبا منصور وهزارشب ومن معهما عن قصده فلم يعرجوا على ذلك وساروا إليه بالأهواز وقاتلهم فانهزم إلى واسط ونهب الأهواز وفقد في الواقعة الوزير كمال الملك أبو المعالي عبد الرحيم فلم يوقف له على خبر وسار أبو منصور وأصحابه إلى شيراز لأجل أبي سعد وأصحابه فلقيهم قريبا منها وهزمهم مرات واستأمن إليه الكثير منهم واعتصم أبو منصور ببعض القلاع واعيدت الخطبة بالأهواز للملك الرحيم واستدعاه الجند بها وعظمت الفتنة ببغداد بين أهل السنة والشيعة في غيبة الملك الرحيم واقتتلوا وبعث القائم نقيب العلويين ونقيب العباسيين لكشف الأمر بينهما فلم يوقف على يقين في ذلك وزاد الأمر وأحرقت مشاهد العظماء من أهل البيت وبلغ الخبر إلى دبيس ابن مزيد فاتهم القائم بالمداهنة في ذلك فقطع الخطبة له ثم عوتب فاستعتب وعاد إلى حاله.